Skip Ribbon Commands Skip to main content
Sign In
الاربعاء,24 نيسان, 2024
رئيس الجمهورية افتتح أعمال مؤتمر البطاركة والأساقفة حول كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
رئيس الجمهورية افتتح أعمال مؤتمر البطاركة والأساقفة حول كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
27/02/2019

 

الرئيس عون أكد أن الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان
هو الوسيلة الفضلى للقضاء على آفة الإرهاب والتنشئة على احترام حرّيّة المعتقد

رئيس الجمهورية: من أهم أهداف الأحداث التي جرت خلال السنوات المنصرمة
 تحويل مجتمعات مشرقنا عنصرية وهذا ما يجب رفضه ومقاومته

الرئيس عون: هجرة بعض المكونات والتغيير الديموغرافي وتقسيم فلسطين ورفض حق العودة تؤسس لمشرق جديد غريب عن هويته الجامعة

البطريرك الراعي: من الضرورة عودة النازحين ومن الواجب حماية لبنان من مخاطر وجودهم
وعلى المجتمع الدولي الفصل بين الحل السياسي وعودتهم

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان هو الوسيلة الفضلى للقضاء على آفة الإرهاب، ولتحصين الأجيال الطالعة ضد الأفكار المتطرفة، وتنشئتها على احترام حرّيّة المعتقد والرأي والتعبير وحقّ الاختلاف حتى تستعيد مجتمعاتنا الاستقرار والأمان.

واعتبر أن من أهم أهداف الأحداث التي جرت خلال السنوات المنصرمة، "تحويل مجتمعات مشرقنا الى مجتمعات عنصرية آحادية الطابع متنافرة متقاتلة، وهذا ما يجب أن نرفضه ونقاومه بكل ما أوتينا من عزم وصلابة"، وقال: "أرض المشرق لا يجب أن تفرغ من أهلها، ومهد المسيح ودرب الجلجلة والقبر المقدّس لا يمكن أن تكون من دون م��يحيين، كما لا يمكن للقدس وللمسجد الأقصى أن يكونا من دون المسلمين، فلا مياه تنساب إذا جفت ينابيعها". 

ولفت الرئيس عون الى "ان النزف البشري الحاصل والهجرة القسرية لبعض المكونات، والمحاولات الحثيثة للتغيير الديموغرافي، مضافةً الى تهجيرات الحقبة الماضية وتقسيم فلسطين وتشريد أهلها، واستكمال الضغوط اليوم لتهجير من تبقّى منهم، ورفض حقّ عودتهم إلى بلادهم وتوطينهم في البلدان التي هُجّروا إليها، تؤسس كلها لمشرق جديد، غريب عن هويته الجامعة، وبعيد كل البعد عمّا يمتاز به من تنوّع ديني ومجتمعي وثقافي". 

واشار رئيس الجمهورية إلى أن لبنان، بمجتمعه التعددي وبما يختزن من خبرات أبنائه المنتشرين في كل بقاع الأرض، وبما يشكل من عصارة حضارات وثقافات عاشها على مر العصور، مؤتمن على الرسالة التي تحدث عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، ولا يحق له أن يفرّط بها أو أن يتجاهلها.

واعتبر أن أهمية جمعية كاريتاس الحقيقية، تكمن في نشاطها العابر للطوائف والأعراق والدول والانتماءات، وهي بذلك تساهم بكسر حواجز التطرّف والتقوقع والانغلاق ورفض الاخر المختلف.

كلام رئيس الجمهورية جاء في خلال افتتاحه "مؤتمر البطاركة والأساقفة حول كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الذي حمل عنوان: "خدمة الخير العام في إطار بيئة تعددية"، والذي انعقد قبل ظهر اليوم في دير سيدة الجبل في فتقا، كسروان، وذلك بحضور رئيس مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس كاريتاس الدولية الكاردينال لويس انطونيو تاغلي، وعميد الدائرة الفاتيكانية المعنيّة بخدمة التنمیة البشریة المتكاملة الكاردينال بيتر كودوو آپّيا توركسون، وعميد مجمع الكنائس الشرقية في حاضرة الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري ممثلا بالأب قرياقوس شيروبوزاتوتاتيل، والسفير البابوي لدى لبنان المونسنيور جوزف سبيتري، الى حشد من الاساقفة والمسؤولين في كاريتاس وفاعليات سياسية وروحية وناشطة في الحقل الاجتماعي.

بعد النشيد الوطني، تلت الرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدسة المارونيات الام ماري انطوانيت سعادة صلاة، ثم عرض فيلم وثائقي عن "كاريتاس".

كبرييل حتّي

ثم القى رئيس "كاريتاس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" كبرييل حتِّي كلمة أمل فيها "أن يشكّل هذا الحدث البارز الذي يجمعنا معاً فرصة لإنشاء روابط جديدة بين الناس والمؤسسات المكرّسة لبناء حضارة تتمحور حول السلام وخدمة جميع البشر والخير العام".

وقال: "نأتي جميعنا من بلدان مضطربة ذات آفاق متغيّرة ومُهدّدة في أغلب الأحيان. إنها منطقة وصفها البابا فرنسيس بتقاطع المواقف الصعبة".

واعتبر أن الكثيرين يعانون من الفقر الناجم عن ضعف المؤسسات الحكومية، والصراع المسلّح، والتطرّف، والكوارث الطبيعية التي تشهدها بعض بلداننا. وأضاف: "لكن يجب أن نتذكر أيضاً ان شعوبنا تتمتع بالصمود، ولقد أثبتت جذورها قوّتها على مدى آلاف السنين الماضية، وهي مغروسة ومتجذرة في أرض تاريخنا، وراسخة ليبقى فيها ابناؤها".

واكد ان سكان منطقتنا يتطلّعون إلى مستقبل أفضل وإلى العيش في سلام وأمن ورخاء، في دول يمكن لكل مواطن أن يكون حراً في العيش في بيئة غنية بالفرص. وقال: " يتوجب على منظماتنا وممثلي كنائسنا أن يستمروا في منح صوت لمن لا صوت لهم، وأن يرأفوا بالفقراء والمظلومين، وأن يقلّصوا اليأس الذي يدفع أحيانًا ببعض الأشخاص إلى القيام بتصرفات متطرفة".

السفير البابوي

والقى السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتيري كلمة شدد فيها على اهمية الدور الذي تلعبه جمعية "كاريتاس" في قلب الكنيسة الكاثوليكية في مختلف الدول والمناطق. وبعد ان نقل امنيات البابا فرنسيس وصلواته وبركاته، ذكّر بأن الوجود المسيحي الكاثوليكي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يعود الى بداية الدين المسيحي، ولكن بعض المجتمعات المسيحية تمكنت من النمو في اماكن محددة فيما ناضلت في اماكن اخرى من اجل البقاء.

واشار الى ان التاريخ حمل معه احداثاً مفاجئة، ادت الى تطورات عدة. ولم يكن احد يتوقع من سنوات قليلة ان يزور اسقف روما شبه الجزيرة العربية، ولكن هذا الامر تحول الى واقع، ويستعد البابا فرنسيس لزيارة المغرب الشهر المقبل. وفي ايامنا هذه، تنمو المجتمعات المسيحية في اماكن بالكاد كان لها تواجد فيها، وحضور كاريتاس في هذه المناطق يعكس هذا الواقع.

واوضح المونسنيور سبيتيري ان كاريتاس مدعوة الى ان تكون التعبير عن حب ورعاية الكنيسة نحو كل محتاج، وان ترحّب وتساعد الجميع من دون تفرقة. ولتحقق مهمتها هذه، على هذه الجمعية ان تعمل بطريقة احترافية مع الوعي التام لدورها ودعوتها الروحية وهيكليتها. وهو ما قامت به "كاريتاس- الشرق الاوسط وشمال افريقيا" عبر تنظيمها منذ عشر سنوات لقاء في حريصا ركّزت فيه على حاجة العقل والقلب لتكون الاعمال الملموسة هي السبل الفضلى لمساعدة اخواتنا واخواننا المحتاجين.

وتمنى المونسنيور سبيتيري للجمعية التوفيق في مسيرتها وتخطيها التحديات الجديدة التي تواجهها في المنطقة.
 
كلمة الكاردينال ساندري

ثم القى الأب قرياقوس شيروبوزاتوتاتيل كلمة باسم الكاردينال ساندري اعتبر فيها أن السمة المميزة لجميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي الحاجة إلى تشجيع المسكونية والحوار بين الأديان،  وقد حض ﺍﻹﺭﺷﺎﺩُ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ: "الكنيسة في الشرق الاوسط" على ذلك.

ولفت الى ان لدى كاريتاس رسالة لأن تكون أداة تواصل بين الكنائس المحلية والكنائس الشقيقة، وكذلك بين الأديان والاعراق والثقافات. وقال:" هذا هو وجه الكنيسة المنفتحة. عند قيامه بعمل الخير، يتوجب على المرء أن يتغلّب على المصالح الأنانية ومبادئ التسويق التي غالبا ما تتعارض مع الشهادة المسيحية ورسالة يسوع".

واضاف: "لا يسعني إلا أن أذكر "وثيقة الأخوة الإنسانيّة" التي وقّعها مؤخراً الأب الأقدس في أبو ظبي. إنه نص أدعوكم إلى التعمّق فيه ونشره. ان الإعتقاد الراسخ بأن التعاليم الأصيلة للأديان تدعونا إلى البقاء متجذرين في قيم السلام، والدفاع عن قيم التفاهم المتبادل والأخوة الإنسانيّة والتعايش المتناغم، وإعادة إحياء الحكمة والعدالة والمحبة، وإيقاظ الوعي الديني لدى الشباب، كي تكون الأجيال القادمة محميّة من عالم التفكير المادّي ومن سياسات الجشع الجامح واللامبالاة الخطيرة التي تعتمد على قانون القوة وليس على قوة القانون ".

واعتبر ان تحدّي الحرب والعنف ماثل على مرأى ومسمع العالم كله، كما هو تحدي المحبة الفعّالة التي يقدمها الكثيرون من خلال منظمات كاريتاس الوطنية والمؤسسات الكاثوليكية الأخرى من أجل إغاثة إخوانهم وأخواتهم.

الكاردينال تاغلي

 وبعد ترنيمة: Ave MARIA التي انشدتها السيدة تانيا قسيس، القى الكاردينال تاغلي كلمة نقل فيها "الى لبنان تحيات مانيلا" في الفيليبين التي هو رئيس اساقفتها، وقال: "كما ذكر الرسول بطرس على جبل التجلي: "جيد ان نكون هنا"، فإنني اكرر امامكم هذا القول في لبنان، لأنه جيد ان نجتمع معا كأخوة للبحث عن طرق خدمة الخير العام"، مشددا على دور كاريتاس في "ان تكون صوت الكنيسة وعلامتها واداتها في ايصال رسالة الرحمة والمحبة والخدمة في العالم، وبصورة خاصة في الشرق الاوسط ولبنان. وختم بالقول: "ان حضوري هنا هو للتأكيد على هذا الامر وتشجيع نشاطات كاريتاس في الشرق الوسط وشمال افريقيا ولبنان، والتعلم منكم جميعا."

الكاردينال توركسون

ثم تحدث الكاردينال توركسون، فشرح مفهوم خدمة التنمية البشرية الشاملة، مشيراً الى ان الحبر الاعظم انشأ لهذه الخدمة دائرة جديدة في الكرسي الرسولي في العام 2016، وهي معنيّة بالتنمية المتكاملة، ومهمتها مساعدة كاريتاس وتسهيل عمليات الدمج بين مختلف الدوائر، متمنيا للمؤتمرين النجاح.

كلمة البطريرك الراعي

والقى بعدها البطريرك الراعي الكلمة التالية:

"خدمة الخير العام في اطار بيئة تعددية:

يسعدني ان اشارك في هذا المؤتمر برعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي نحييه ونشكره ونتمنى له النجاح في الرئاسة الاولى التي من خلالها يسهر على ان تؤمّن السلطة السياسية الخير العام، الذي هو مبرر وجودها. ويطيب لي ان احيي كاريتاس الشرق الاوسط وشمال افريقيا بشخص رئيسها السيد كبريال حتي ومعاونيه في المكتب الاقليمي، واشكرهم على الدعوة لهذا المؤتمر وتنظيمه. ويسرني ان ارحب بنيافة الكاردينال Antonio Tagle رئيس اساقفة مانيلا ورئيس كاريتاس الدولية، ونيافة الكاردينال Peter Turkson رئيس مجمع خدمة التنمية البشرية الشاملة في الكرسي الرسولي، والاب قرياقوس ممثل مجمع الكنائس الشرقية، وسائر المشاركين والمتكلمين.

اتناول موضوع "خدمة الخير العام في اطار بيئة تعددية" في ثلاث نقاط: مفهوم الخير العام، وخدمته في اطار بيئة تعددية، والمسؤولون عن تحقيقه.

- اولاً: مفهوم الخير العام:

في تعليم الكنيسة الاجتماعي، ولاسيما في الرسائل البابوية العامة ذات الطابع الاجتماعي، الخير العام هو " توفير مجموع الشروط الحياتية التي تتيح للجميع، افرادا وجماعات، تحقيق ذواتهم على اكمل وجه وبأوفر سهولة". ولذا يشمل مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، مع ما تقتضي من عمل دؤوب في سبيل تحقيقها ونموها وازدهارها. وعندما تتأمن بوفرة، تؤمن معها الحقوق الاساسية لكل مواطن وهي: المأكل، والمسكن، والعمل، والتربية، والصحة، وتحصيل الثقافة، والمواصلات، وحرية تبادل المعلومات، وحماية الحرية الدينية، معتقدا وممارسة.

ينبع مبدأ الخير العام من طبيعة الانسان الاجتماعية وكرامته. ولذلك هو " مجموعة الشروط الاجتماعية" الضرورية لتأمين حياة كريمة له ومكتفية وضامنة لحقوقه الحياتية. انطلاقا من هذا المبدأ تعتبر الكنيسة ان الخير العام يتضمن ثلاثة عناصر اساسية:

الاول، احترام الشخص البشري من قبل المجتمع والدولة، بتأمين الشروط لممارسة حرياته الطبيعية.

الثاني، تأمين الرفاهية الاجتماعية والتنمية التي توجب على الدولة تأمين الحقوق الاساسية للمواطنين.

الثالث، توطيد السلام باقامة نظام عادل ومستقر. وهذا واجب على السلطة السياسية.

- ثانياً: خدمة الخير العام في اطار بيئة تعددية

خلق الله الانسان كائنا اجتماعيا وهكذا شاءه ان يكون، مذ اوجد الانسان الاول وكوّنه جماعة تبدأ خليتها في الزواج والعائلة. فيشعر الانسان من طبعه انه كائن بحاجة الى اقامة علاقات مع الاخرين. وككائن حر ومسؤول، يدرك ضرورة الاندماج والتعاون مع آخرين والدخول في شركة معهم على مستوى المعرفة والصداقة والحب. يشذ عن هذه القاعدة اشخاص مصابون بمرض ما عقلي او عصبي او نفساني، كما انه بسبب الكبرياء والانانية تظهر في الانسان بذور سلوك لا اجتماعي، وانغلاق على الذات، وتحقير للاخر.

في البيئة التعددية حيث يتعايش اشخاص متنوعو الدين والعرق والثقافة، تقتضي خدمة الخير العام علاقات تضامن وتواصل وتعاون من اجل خدمة الانسان في هذه الجماعات المتنوعة، وخدمة الخير العام. هذه الجماعات مدعوة لتكوين نسيج موحد ومتناغم تستطيع فيه كل واحدة منها ان تحافظ على خصوصيتها واستقلاليتها، وفي الوقت عينه تساهم في حياة المجتمع والدولة من اجل توفير الخير العام الذي هو ضمانة خير الاشخاص والجماعات.

نحن في لبنان نعيش في وطن تعددي، والتعددية فيه من صلب كيانه وتكوينه. ففيه جميع الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والجماعات البروتستانتية وفيه الطوائف الاسلامية الاربع: السنيّة والشيعيّة والدرزية والعلوية، بحيث يأتي المجموع ثماني عشرة طائفة. لكن ميزة لبنان هي تكوين الوحدة في التعددية بحكم الميثاق الوطني والدستور اللذين ينظمان مشاركة هذه الجماعات المسيحية والاسلامية مناصفة في حكم الدولة وادارتها. هذه الخصوصية اللبنانية ميّزته عن جميع بلدان الشرق الاوسط ذات الانظمة الدينية الاسلامية، واليوم دولة اسرائيل تعلن نفسها ذات نظام يهودي. النظام الديني يعني في البلدان العربية ثلاثة: دين الدولة الاسلام، والقرآن مصدر التشريع المدني، والسلطة العليا: السياسية والعسكرية والقضائية في يد المسلمين. اما المسيحيون مواطنو هذه البلدان، فيحترمون هذه الثلاثة كحدود لا يتخطونها ويعيشون تاليا بسلام، ويحظون بثقة الحكام والشعب.

لبنان من جهته، يفصل الدين عن الدولة، لكنه يحترم جميع الاديان ومعتقداتها ولا يشرّع شيئا مضادا لشريعة الله، بل يترك ما يتعلق بهذه الشريعة الى سلطات الجماعات وفقا "لانظمة الاحوال الشخصية". ويقرّ مبدأ المشاركة بالمساواة بين المسيحين والمسلمين في الحكم والادارة، ويعتمد النظام الديمقراطي القائم على احترام جميع الحريات المدنية العامة وفقا "لاعلان شرعة حقوق الانسان العالمي". وهكذا تتم خدمة الخير العام بالتعاون بين الاشخاص والمؤسسات على تعدديتها. ان كاريتاس لبنان المنتشرة على كامل الاراضي اللبنانية، والتي هي جهاز الكنيسة الراعوي الاجتماعي، تؤدي خدمة المحبة والخير العام للجميع من خلال برامجها الاجتماعية والانمائية والصحية المتنوعة. كما ننوه بالمنظمات غير الحكومية المسيحية الاخرى التي تؤدي خدمة الخير العام وفقا لبرامجها الخاصة.

غير ان خدمة الخير العام تتأثر اليوم بسبب الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت من جراء الازمات السياسية المتلاحقة. ولكننا نرجو حلول الاستقرار مع تأليف الحكومة الجديدة. ولا ننسى التأثير الاقتصادي والاجتماعي والانمائي والثقافي والامني الذي اوجده المليون ونصف مليون نازح من سوريا، بالاضافة الى نصف مليون لاجىء فلسطيني. ما يشكل نصف سكان لبنان، غير المهيأ لاستقبال مثل هذا العدد الباهظ على رقعة جغرافية مساحتها فقط 10452 كم2، وهي اصلا غير قادرة على استيعاب سكانه الاربعة ملايين، فمن الضرورة الملحة ان يعود النازحون السوريون الى وطنهم لكي ينعموا فيه بحقوقهم المدنية ويواصلوا تاريخهم ويحافظوا على ثقافتهم وحضارتهم. ومن الواجب بالتالي حماية لبنان من مخاطر هذا الوجود المرهق فيما ثلث سكانه تحت مستوى الفقر، و 40% من ابنائه في حالة بطالة. ويجب على المجتمع الدولي، ان يفصل بين الحل السياسي في سوريا وعودة النازحين والا كان مصيرهم مثل اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون الحل السياسي منذ 71 سنة، والكل على حساب لبنان وشعبه. وهذا لا يمكن قبوله.

- ثالثاً: المسؤولون عن خدمة الخير العام

 تأمين الخير العام هو من مسؤولية الجميع: انها مسؤولية كل عضو في المجتمع وفقا لامكاناته بحيث يسعى بما له من مقدرات واهلية لتحقيق هذا الخير العام الشامل للجميع، وكأنه خيره الشخصي. من المعلوم ان ملكيته الخاصة بموجب تعليم الكنيسة ليست حقا مطلقا له، بل لها وظيفة اجتماعية لصالح الانتفاع العام.

وهي مسؤولية العائلة حيث يختبر الانسان منذ الطفولة دفء الحياة الاجتماعية. فالعائلة هي الخلية الحية للمجتمع، والمدرسة الطبيعية الاولى للتربية على العلاقات الاجتماعية بالقيم الاخلاقية والانسانية، والمكان الاول لأنسنة الانسان والمجتمع، وهي المجتمع الطبيعي الاول حيث يعاش الحس الاجتماعي ومسؤولية تأمين الخير العام. وتساهم في ذلك الزيجات المختلطة في البيئة التعددية، كما هي الحال في لبنان.

وهي مسؤولية الكنيسة لانها من خلال خدمتها الراعوية ومؤسساتها التربوية والاستشفائية والاجتماعية والانمائية، ومن خلال منظماتها غير الحكومية وعلى رأسها كاريتاس لبنان، تعمل بشكل محلوظ ولا غنى عنه في توفير الخير العام. وهي مسؤولية الجماعة السياسية بنوع خاص. فالغاية من وجودها انما هي تأمين الخير العام. ولذا، تعتبر الكنيسة ان العمل السياسي فن شريف يلتزم توفير خير الانسان والمجتمع. هو فن شريف لارتباطه بالشخص البشري وكرامته وحقوقه الاساسية، لكونه في قمة تصميم الله الخالق بشأن العالم والتاريخ. وهو فن شريف بالنسبة لاصحاب السلطة السياسية لكونهم خدام الله للشعب وللخير. وبهذه الصفة من واجبهم العمل على توجيه طاقات المواطنين وقدرات الدولة نحو الخير العام الذي منه خير الجميع.

اننا نتمنى لهذا المؤتمر النجاح المرجو، ونعرب لكم عن وافر التقدير للمداخلات والمشاركة والحضور."

الرئيس عون

 والقى رئيس الجمهورية في ختام الجلسة كلمة جاء فيها:

"طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون،

لقد ارتبط اسم كاريتاس برسالة رحمة وإنسانية، في مساعدة المحتاج، في مساندة الضعيف، في التنمية، في الخدمة الاجتماعية، في محاربة الفقر والجوع والمرض، وهو دور ريادي رسولي يحاكي دور الأبرار "جعت فأطعمتموني  عطشت فسقيتموني كنت غريبا فآويتموني عريانا فكسوتموني مريضا فزرتموني محبوسا فأتيتم إلي.."

وعلى أهمية هذا الدور– الرسالة  فإن أهمية كاريتاس الحقيقية،  تكمن في نشاطها العابر للطوائف والأعراق والدول والانتماءات، وهذا ما يبدو جلياً في خريطة انتشارها حيث تغطي خمس عشرة دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقدّم المساعدة والخدمة حيث هناك حاجة، بمعزل عن الدين والهوية والعِرق، وهي بذلك تساهم بكسر حواجز التطرّف والتقوقع والانغلاق ورفض الاخر المختلف، وهنا جوهر دورها، خصوصاً في هذه المرحلة المضطربة التي تعيشها المنطقة.

أيها الحضور الكريم،

يقول مهندس الميثاق الوطني ميشال شيحا إن "من يحاول السيطرة على طائفة في لبنان انما يحاول القضاء على لبنان" وهذا القول ينطبق أيضاً على المشرق، فمشرقنا هو مزيج ثقافات والتقاء حضارات ومهد الديانات السماوية، وهو نموذج فريد للغنى الروحي والثقافي والمعرفي، وضرب أي مكوّن من مكوناته هو ضرب له ولفرادته.

وكل الأحداث التي جرت خلال السنوات المنصرمة، من أهم أهدافها بدون شك تحويل مجتمعات مشرقنا الى مجتمعات عنصرية آحادية الطابع متنافرة متقاتلة. فالنزف البشري الحاصل والهجرة القسرية لبعض المكونات، والمحاولات الحثيثة للتغيير الديمغرافي، مضافةً الى تهجيرات الحقبة الماضية وتقسيم فلسطين وتشريد أهلها، واستكمال الضغوط اليوم لتهجير من تبقّى منهم، ورفض حقّ عودتهم إلى بلادهم وتوطينهم في البلدان التي هُجّروا إليها، تؤسس كلها لمشرق جديد، غريب عن هويته الجامعة، وبعيد كل البعد عما يمتاز به من تنوّع ديني ومجتمعي وثقافي.

وهذا ما يجب أن نرفضه ونقاومه بكل ما أوتينا من عزم وصلابة؛ فأرض المشرق لا يجب أن تفرغ من أهلها، ومهد المسيح ودرب الجلجلة والقبر المقدّس لا يمكن أن تكون من دون مسيحيين، كما لا يمكن للقدس وللمسجد الأقصى أن يكونا من دون المسلمين، فلا مياه تنساب إذا جفت ينابيعها.  

والخطر الأكبر الذي يواجه عالمنا اليوم ومنطقتنا بشكل خاص هو نزعة التطرف التي تغذي الإرهاب وتتغذى بدورها منه،  وخطورتها أنها عدوى فكرية، تنتقل وتنتشر بسرعة خصوصاً مع وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلةً الجهل والفقر والتهميش لزرع أفكار ومعتقدات هدامة وإيجاد بيئة حاضنة للإرهاب.

   ولأنني أومن أن الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان هو الوسيلة الفضلى للقضاء على آفة الإرهاب، ولتحصين الأجيال الطالعة ضد الأفكار المتطرفة، وتنشئتها على احترام حرّيّة المعتقد والرأي والتعبير وحقّ الاختلاف حتى تستعيد مجتمعاتنا الاستقرار والأمان، أطلقت في الأمم المتحدة مبادرة بترشيح لبنان ليكون مركزاً دائماً للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق وتعزيز روح التعايش، من خلال إنشاء "أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار"، هدفها الأساس نشر ثقافة معرفة الآخر والتقريب بين الشعوب والثقافات والديانات ونبذ لغة العنف وخصوصاً بين الشباب فيسهل اندماجهم وتقبّلهم للآخر المختلف فلا يعود عدواً، لأن الإنسان بطبيعته عدو لما، ومن يجهل.

هذا هو جوهر لبنان وهذه هي رسالته التي أدركها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني يوم قال عنه إنه "أكثر من وطن، انه رسالة"؛ فلبنان، بمجتمعه التعددي وبما يختزن من خبرات أبنائه المنتشرين في كل بقاع الأرض، وبما يشكل من عصارة حضارات وثقافات عاشها على مر العصور، مؤتمن على هذه الرسالة ولا يحق له أن يفرّط بها أو أن يتجاهلها.

أيها الحضور الكريم،

أيها الإخوة العاملون في كاريتاس

لكل منا دوره في نشر ثقافة السلام وثقافة قبول الآخر واحترام حقوقه؛

نحن من خلال التثقيف والممارسة السياسية وإيجاد مساحة للتلاقي والنقاش والحوار والجدل الفكري،

وأنتم من خلال الخدمة المجانية التي لا تميّز بين عرق أو دين أو هوية.

فاذهبو، كما الرسل، وساعدوا كل الأمم، ليروا فيكم الوجه الحقيقي ليسوع، وجه المحبة والتسامح والسلام

هذه هي وزنتكم، ولا شك أنكم ستبقون أمناء عليها".

درع تذكارية

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، قدم السيد حتي درع كاريتاس في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا الى رئيس الجمهورية، عربون تقدير ومحبة، والتقطت الصور التذكارية للمشاركين في المؤتمر مع الرئيس عون.